الفقر... أكثر من مجرد حاجة

الفقر ليس فقط قلة المال أو انعدام الطعام. الفقر حالة نفسية، وجع مستمر، إحساس دائم بالنقص، وسؤال لا يُطرح إلا حين يُتعب صاحبه الصمت. الفقر وجع لا يشعر به إلا من نامَ بطنه خاويًا، وهو يخبئ دموعه تحت وسادته كي لا يسمعها أحد.

في زوايا المدن، وبين جدران البيوت المتواضعة، يعيش أناس بسطاء لا يملكون من الدنيا إلا القليل، لكنهم يملكون قلوبًا من ذهب. الفقير قد لا يملك ثمن الخبز، لكنه يملك الكرامة والعزة والإيمان، يملك الصبر على ما لا يُحتمل، والرضا بما لا يُطاق.

قال الله تعالى:
"وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"
[الذاريات: 19]

كم من طفل نام على جوع، واستيقظ على أمل كاذب؟ كم من أم خبأت دموعها كي لا يراها صغارها، وادّعت أن لا شيء يؤلم؟ كم من أب أكل من وجعه، كي لا ينقص من أطفاله لقمة؟ الفقر لا يُختصر في صورةٍ لطفلٍ حافٍ أو شيخٍ متسول... الفقر قصة كفاح، ومعركة يومية مع الحياة.

وقال رسول الله ﷺ:
"من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"
[رواه البخاري ومسلم]

وفي عالمٍ يفيض بالخيرات، يبقى السؤال الموجع: لماذا لا يصل الخير إلى كل الناس؟ ليست المشكلة في قلة الموارد، بل في قلة الرحمة، في قلوبٍ أغلقتها الأنانية، وفي عيونٍ لا ترى من يستحق المساعدة.

قال الله تعالى:
"لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"
[آل عمران: 92]

اليد التي تعطي لا تُفقر، والقلب الذي يشعر لا يشيخ. اجعل لنفسك أثرًا، ولعملك معنى. ساعد، ولو بكلمة، ولو بابتسامة، ولو بدعاء. فقد تكون بلسماً لقلبٍ أوجعه العوز، وأرهقته الحاجة.

وقال رسول الله ﷺ:
"الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"
[رواه الترمذي]

الفقر ليس عيبًا... لكن تجاهله عار.
تذكّر دائمًا: "ما نقص مال من صدقة، بل يزيد، بل يزيد، بل يزيد."
[رواه مسلم]

 

Post a Comment

ضع تعليقك هنا

أحدث أقدم